2/05/2014

Ali A. Alraouf on Contemporary Gulf Cities. Urban Issues and Reflections


Contemporary Gulf Cities: Crime and Punishment


عمارة وعمران مدن الخليج المعاصرة: الجريمة والعقاب

ا.د. علي عبد الرءوف
أستاذ العمارة و نظريات العمران
الدوحة، قطر

هذا المقال كتب من وحي الخبر المنشور في كل وكالات الأنباء العالمية بتاريخ 3 فبراير 2014، والذي ينص على أن دبي احتلت المرتبة الثالثة في تصنيف المدن الأكثر ديناميكية في العالم بعد سان فرانسيسكو ولندن على الترتيب.

“the new City Momentum Index released by Jones Lang LaSalle names San Francisco, London and Dubai as the three most vibrant cities”.

لم تعاقب إي مدن معاصرة في الشرق الأوسط ، بل وفي العالم كله كما عوقبت مدن الخليج من قبل أساتذة ونقاد العمارة والعمران. عشرات الأبحاث والمقالات بل والرسائل العلمية التي تتحدث عن فقد مدن الخليج لهويتها وطمس ثقافتها وتغريب عمارتها وعمرانها وسطحية تخطيطها وبلاستيكية تكوينها البصري المصطنع.

وصفها الروائي المبهر عبد الرحمن منيف في خماسيته "مدن الملح"، بأنها تلك المدن التي نشأت في برهة من الزمن بشكل غير طبيعي واستثنائي. ففي تفسيره فان المدينة يجب أن تكون نتيجة تراكم تاريخي طويل أدى إلى قيامها ونموها واتساع عمرانها. أما مدن الخليج، من منظوره، هي عبارة عن نوع من الانفجارات نتيجة الثروة النفطية التي أدت إلى قيام مدن متضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر وتتلاشى بنفس سرعة ظهورها. فالرواية تركز على اكتشاف النفط وأثره في درامية وجذرية التغيير في الصحراء العربية، هذا الأثر الذي طال الإنسان والمكان معاً. إنها رواية ترصد كيف تحولت مستقرات بدوية ريفية ساحلية وبسرعة جنونية لتكون مدناً ضخمة، قوية وعظيمة بهيكلها المادي وامتدادها العمراني وعلاقاتها المعقّدة، ولكنها، كما أصر منيف، مدن هشّة لأنها مدن بلا تاريخ، بلا معنى عميق.
سوف لن تجد في هذه المدينة من يحرص عليها، أو يريد بقاءها، لأنها ولدت في غير مكانها وفي غير زمانها، حتى الذين بنوها سوف يتخلون عنها، لأنهم لم يتصوروها بهذا القبح وهذا العداء".
 رواية مدن الملح - عبد الرحمن منيف.

وصف منيف مدن الخليج بأنها المدن التي قامت على أسس واهية. وينتقل منيف من حالة نقد رمزية لعمران المدينة إلى نقد بنيتها المادية محذرا أن هذه المدن التي بنيت من أجل أن تكون أفراناً للأجيال القادمة تبعا لتعبيره. فقد صممت في طريقة بنائها وبأحجامها لا لتكون مستوطنات بشرية، ولكن لتكون مدافن!! ثم يزداد معدل القسوة النقدية حين يشير منيف إلى أن هذه المدن لا تتمتع بالحد الأدنى الإنساني، لكي يقيم فيها الإنسان ويستمر ويستقر ثم يسلمها للأجيال القادمة. من المستغرب تماما، تبعا لتعبيره، أن تكون هذه المدن بواجهات زجاجية وبهياكل حديدية في منطقة تبلغ درجة الحرارة فيها في الظل ما يزيد عن 50 درجة مئوية، إذا كانت هذه الناطحات للسحاب، ملائمة لمدينة مثل نيويورك، أو كانت الشبابيك الكبيرة ملائمة لبلد مثل السويد، حيث تكون الشمس مثل القمر والحرارة فيها أمنية، فإنني أعتقد أن بلادنا بحاجة إلى نمط آخر من البناء، والى نمط آخر من التعامل الإنساني مع الطبيعة، حتى تكون المدن مرشحة للبقاء والدوام، هكذا يحذر منيف.

والى جانب القسوة والمرارة في طرح منيف، فقد أثرت كتاباته على الحركة النقدية المعمارية والعمرانية لمدن الخليج. فقد سماها النقاد المدن اللحظية، المدن البلاستيكية، المدن المقلدة، المدن الزائفة، و المدن الفقاعة. ويبقى التساؤل: هل هناك أمل في تحقيق العدالة والإنصاف لهذه المدن أم أن قدرها أن تظل دائما محط النقد العنيف والتوبيخ الدائم مهما فعلت. هل هناك مؤشرات توضح أن على الرغم من كل هذا النقد شديد القسوة أحيانا فان هناك علامات وإشارات على أن قصص فريدة للنجاح تكتب فصولها الأولى في سياق المدن الخليجية المعاصرة. لنبدأ بتأمل سريع للمحطات الأساسية في مشوار مدن الخليج:

في منتصف السبعينيات وعقد الثمانينيات، وفي خضم توجه عارم نحو التحديث والتطوير، ساعدت عوائد النفط الغير مسبوقة، بعد طفرة ما بعد حرب 1973، في استدعاء كل مظاهر التحضر من السيارة الأمريكية إلى الساعة السويسرية، مرورا بالمخطط العمراني والمصمم المعماري الغربي. جاء المخططون والمعماريون من كل أنحاء الغرب، ليغيروا وجه المدينة الخليجية دون أن يلتفتوا إلى ما تملكه من رصيد بنائي وثقافي. ولذلك عندما استفاق الجميع على بيئة معمارية وعمرانية مشوهة، انهالوا بالنقد دون إدراك أن مطلب التحديث والاندفاع إلى تقليد الغرب كان مطلبا محليا لشعوب عاشت قرون في إطار حياة فطرية بدائية ثن انهمرت الثروات بلا انقطاع.

في العقد الأخير من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة وحيت تطور طموح مدن الخليج إلى رغبة في الاستئثار بمكان على مسرح المدن العالمية، وبنوا ناطحات السحاب العملاقة لتؤكد سلامة الهبوط على ممر العالمية في مطار العولمة الدولي، لم يسلموا من حركة نقدية قاسية. اعتمد النقد هنا على تساؤلات بشأن صلاحية النمو الرأسي لمنطق الحياة في مدن الخليج، وطرحت كل التساؤلات الممكنة والغير ممكنة عن الاستدامة والمناخ والتأثير السلبي لناطحات السحاب بصريا واجتماعيا وبيئيا.
وعندما أنتجوا نطاقات عمرانية معمارية تعتمد على إعادة صياغة اللغة البصرية في العمارة التقليدية، كما فعلوا في مشروع مدينة الجميرا في دبي أو سوق واقف في الدوحة، انطلقت موجات تسونامية من النقد والتحذير من هذه العمارة المزيفة وهذا العمران البلاستيكي ووجهت لهم تحذيرات شديدة اللهجة عن خطورة تشويه التاريخ وتزييف الأصيل.

وعندما بنوا المتاحف العالمية بعد جهد خارق لإقناع مؤسسات ثقافية عريقة مثل اللوفر وجوجينهايم لفتح أفرع لمتاحفهم في نطاق مدن الخليج، تدفقت المقالات والتحذيرات من خلق كائنات أسطورية من تصميم عمالقة العمارة تتكلف مئات الملايين، ولكنها ستظل فارغة لان ثقافة الذهاب إلى المتحف لا تمثل ركنا أصيلا في ثقافة المواطن الخليجي المعاصر.
وعندما نجحوا في استقطاب أقوى جامعات العالم في دبي وابوظبي وبصورة خاصة في الدوحة التي تجمع مدينتها التعليمية مجموعة من ارقي الجامعات الأمريكية والانجليزية في سياق معماري وعمراني ومعرفي بديع، كان النقد موجها إلى تغريب الثقافة الخليجية والسماح لأنماط معرفية تعليمية وافدة. بل وصل الحال إلى اعتبار وجود هذه الجامعات تهديدا مباشرا للغة العربية.

وحين بنوا المولات أو المجمعات التجارية وأحدثوا في تصميمها نقلة نوعية حيث تحول المجمع التجاري من مجمع للمحال التجارية إلى حكاية تاريخية ثقافية مثل مول ابن بطوطة في دبي او تجربة من فينيسيا كما هو الحال في مول فيلاجيو في الدوحة، اتهموا بتكثيف ثقافة الاستهلاك وتدمير فكرة الفراغ العام.
وحين نجحت ملفاتهم المعدة بعناية فائقة في إقناع منظمي أقوى الأحداث العالمية أن مدن مثل دبي أو الدوحة قادرة على استضافة الأحداث الأبرز والاقوي في الكون، مثل معرض اكسبو او كأس العالم لكرة القدم، فسرنا هذا النجاح بأنه لا يرتبط بملفات عمرانية وخدمية وترفيهية وإنسانية على أرقى مستوى. للأسف فسرناه نحن العرب الأشقاء بان أموال الخليج وفقط أموال الخليج هي التي مكنتهم من الحصول على شرف استضافة هذا المستوى من الأحداث. بل تطورت الاتهامات التي تكررت في وسائل إعلام تتحدث عن أن قيمة المدينة الخليجية وطموحها المستقبلي لم يكن السبب ولكن قيمة الرشوة التي دفعت هي السبب.

نرفض ما يفعلون ثم نتمتع به ونوصي به للأصدقاء والأقارب والزوار. على سبيل المثال فسوق واقف ومدينة جميرا التي يرفضه نقاد التراث المعماري والعمراني والمتباهين بأفكار الأصالة، يزورهما سنويا مئات الألوف. بل أن سوق واقف في مدينة الدوحة أصبح المكان المفضل لأهل البلد المواطنين والمقيمين والسائحين على السواء. وجامعات الخليج أصبحت مقصدا لطلاب الشرق الأوسط يتيح نفس المستوى المعرفي في نطاقا جغرافيا اقرب إلى الأهل والعائلة. أما مول دبي الواقع تحت أقدام برج خليفة، أعلى مبنى في العالم على الإطلاق، فقد زاره في عام 2013 قرابة 75 مليون زائر ليصبح وبلا منافس الفراغ التجاري الأكثر زيارة في العالم كله.










هل هي جريمة أن تكون مدن الخليج غنية بل أن تكون الأغنى في العالم مثل الدوحة ودبي وابوظبي. هل تستحق العقاب والتفسير شديد السلبية لكل ما يفعلون فقط لهذا الغنى. يقينا مرت هذه الدول وأهلها بمرحل اتسمت بالبذخ الرسمي والشعبي وأنماط استهلاكية فريدة. يقينا أن ثقافة الاستهلاك كانت حاكمة لعقود (السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات)، ولكن المراقب المنصف يرصد تحولا نوعيا يستحق بسببه أن تفلت مدن الخليج، ولو لمرة واحدة من نمطية العقاب لجريمة أنها تمتلك الوفرة المالية. أعتقد أن الوقت حان لان نرصد بصورة أكثر قبولا وموضوعية وانفتاحا المناهج التنموية التي اتبعتها مدن الخليج في العقد الأخير. من المهم على المعماريين والعمرانيين والمخططين وكل المهتمين بالدراسات التنموية أن يسقطوا ضوءا جديدا على نجاحات مدن الخليج، كما أن الأكاديميين والنقاد العرب يحتاجون إلى بناء أطروحات لدعم النجاح حتى لو كان صاحبه من الأثرياء. دعونا نتذكر دائما ان دبي وابوظبي والدوحة والمنامة والكويت هي كلها مدن عربية شرق أوسطية وان نجاحها وتميزها بالقطع إضافة للرصيد العربي الشرق أوسطي عندما يطالعنا العالم من بعيد.

No comments:

Post a Comment