هذا
|
الكتاب ينتمي
الى مجال الفكر المعماري الذي يعني بشمولية العمل المعماري والعمراني واهمية
الاطار الزماني والمكاني، والواقع الحضاري والاجتماعي والسياسي المصاحب. فالعمارة ليست فنا مجردا خالصا منفصلا عن تطلعات الناس
وتفاعلاتهم، وانما تسعى إلى تلبية احتياجاتهم الوظيفية، وفي الوقت ذاته تصيغ ابداعا
جماليا لع قيمته البصرية والتشكيلية. والعمارة هي انعكاس او مرأة لحضارة مجتمع ما
تعكس القيم والرؤى والمبادئ واسلوب الحياة. ومن قيمة العمارة نتبين قيمة النقد، حيث يعد النقد من
اهم المحاور الرئيسية في الفكر المعماري الحديث. فقد ازدادت اهمية نقد البيئة
المبنية في العقود الاخيرة، واصبحت الانشطة النقدية ذات تأثيرا جوهريا على
الممارسة العملية للعمارة والعمران، وايضا على الاطار التعليمي في مدارس العمارة.
وبصورة خاصة فان النقد كنشاط مؤثر وفعال في الحركة الابداعية، يبرز دوره ويتعاظم
في الحقبات التي تشهد تحولات جوهرية وانتقالات مؤثرة في المفاهيم السائدة والحاكمة
لمجتمع ما. وعندما نشعر بأزمة في عمارة وعمران
المدن المصرية والعربية ومظاهرها في عمارة وعمران اما رافض للمكان او للإنسان او
للاثنين معا، فنتساءل من المسئول عن هذه المباني الجامدة، غير المنتمية، وكيف
اصبحت الاكثر شيوعا في عمراننا المعاصر. وتزداد الحاجة إلى النقد المعماري في تلك
الحقبات لنقد الاعمال السائدة و تحليل القوى والممارسات والاختلالات التي تفرزها
وتنتجها، حتى نصحح فكرنا المعماري وتشكيله المادي الملموس لواقع البيئة المبنية
حولنا.
يشير تأمل
الصعيد الثقافي والابداعي في مصر والعالم العربي الى وجود حركة نشطة نسبيا في نقد الاعمال
السينمائية والمسرحية او الاعمال الادبية او الفنية و التشكيلية، بينما لا نجد
حركة نقدية فاعلة موجهة إلى العمارة التي تلقب بانها (ام الفنون) لقدرتها على
احتواء واستيعاب العديد من الفنون الاخرى كالنحت والتصوير. ان العمارة تغلف حياتنا،
ولا يمكن لنا ان نتجاهلها فهي تحيط بنا من كل حدب وصوب في مساكننا ومقار اعمالنا
واماكن العبادة ودور اللهو والترفيه واماكن الشراء والتسوق والعلاج والتعلم وكل
جوانب الحياة الانسانية ومتطلباتها العديدة المركبة. كما ان التأثير الجمعي
للعمارة يتجاوز كل انماط الفنون الاخرى، فبالإمكان ان نعرض عن اغنية، فيلم، رواية،
او مسرحية، لكن تجنب العمارة والعمران هو ضرب من المستحيل. بالقطع اذن تستحق
العمارة كل الجهد لنقدها نقدا منهجيا ايجابيا. والواقع ان غياب او بالأحرى محدودية
النقد المعماري في مصر والعالم العربي اصبحت ظاهرة، فالكتابة النقدية في العمارة،
على اهميتها و ضرورتها لتأصيل وتطوير الاعمال المعمارية، ضئيلة ان لم تكن معدومة
في عالمنا العربي. وقد يفسر هذا ايضا بسبب غياب الاعمال المعمارية المتميزة نفسها.
ان حضور هذه الاعمال شرط موضوعي لاستثارة حركة نقدية تتبعها وتحللها وترصد مسيرتها
وتتنبأ بمستقبل العمارة والعمران. النقد المعماري والعمراني ايضا في صياغته
وممارسته المعاصرة محدد في اغلبه بالاعتبارات البصرية الجمالية مثل الشكل والتكوين
والتناسق وغيرها. ولكن بصورة عامة وباستثناءات محدودة، لا يغطي النقد احتياجات
وتطلعات كل الاطراف المشاركة في المنظومة المعمارية والعمرانية وخاصة المستعملين
والملاك والزوار.
يقدم الكتاب استعراضا للنشاط النقدي في العمارة والعمران،
موثقا لتاريخه، ومبينا التعريفات والمناهج والاشكاليات التي تميزه عن مجالات النقد
الاخرى، كما يقدم تصورا لكيفية تحويل النقد الى منهج لتطوير الحركة الابداعية في
العمارة والعمران في مصر والدول العربية. ويبرز الكتاب النقد المعماري كنشاط نقدي
ابداعي مستقل له اشكالياته وقضاياه الخاصة التي تميزه عن غيره من المجالات
والقوالب النقدية الاخرى. ومن ثم فان الكتاب يهدف الى تحقيق مجموعة من الاهداف:
§
التعرف على اسس وقواعد النقد المعماري وتقديمه كنشاط ابداعي يتكامل مع
النشاط الابداعي في العمارة والعمران مع تأكيد خاص على صياغة العلاقة بين النقد
والمنتج المعماري.
§
فهم تطور الفكر النقدي المعماري، وجذوره التاريخية ودوافعه وعلاقته بالسياق
الاجتماعي والثقافي والسياسي.
§
رصد وبلورة الاتجاهات المتعددة في حركة النقد المعمارية العالمية، وفهم
مناهجها واستيعاب اسباب تعددها وتباينها.
§
صياغة اطار منهجي للنقد المعماري والعمراني في مصر والدول العربية يمكن من
خلاله رؤية المنتج المعماري وتطويره كنتيجة للتفاعل بين العملية الابداعية
والعملية النقدية في العمارة والعمران. حيث يوضح الكتاب ان وجود حركة نقدية نشطة
وفاعلة في الواقع المعماري العمراني المصري والعربي هو اهم ادوات انهاض الحركات
الابداعية المحلية والاقليمية، وايضا السيطرة على السلبيات التي تعاني منها المدن
المصرية والعربية. ومن ثم فان وجود النقد هو مدخل جوهري لتصحيح مسار الحركة
المعمارية وتنشيط جوانبها الابداعية.
ويعتمد منهج الكتاب على فرضية جوهرية وهي ان كل نشاط
ابداعي يستلزم وجود نشاط نقدي مواز مسئول عن تطوير وتحليل وتفسير واستكشاف
المجالات الابداعية في هذا النشاط. وبالتالي يصبح النقد ضرورة لأي عمل ابداعي
متميز بما في ذلك الاعمال المعمارية والعمرانية. و في اطار المنهجية التي يتبناها
الكتاب تقدم دراستين؛ الاولى هي دراسة نظرية يتضمنها الجزء الاول من الكتاب، وتضم
ثلاثة فصول تتعامل مع قيمة النقد المعماري وتاريخه ومناهجه واهمية استقلاليته عن
الانشطة النقدية الاخرى وضرورته لتحسين البيئة العمرانية والمعمارية المعاصرة. اما
الجزء الثاني فيضم الدراسة التحليلية التي تقع في فصلين يتعامل اولهما مع المراجعة
النقدية للتاريخ المعماري والعمراني المصري المعاصر للوصول الى قضايا واشكاليات
مؤثرة في الواقع المعماري والعمراني التي يتم بلورتها في الفصل الاخير.
No comments:
Post a Comment